نام : کتاب احسان المحسن بإحسان خاتم الانبیاء
نویسنده : دکتر عبدالصدیق آخوند کشمیری
شناسه : 6

تفسیر سراج المنیر شربینی

تفسیر سراج المنیر شربینی:
{تقشعر} أي: تضطرب وتشمئز {منه} عند ذكر وعيده {جلود} أي: ظواهر أجسام {الذين يخشون} أي: يخافون {ربهم} والمعنى تأخذهم قشعريرة وهو تغير يحدث في جلد الإنسان عند ذكر آيات العذاب {ثم تلين} أي: تطمئن {جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} أي: عند ذكر وعده، والمعنى إذا ذكرت آيات الرحمة لانت وسكنت قلوبهم كما قال تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (الرعد: 28)
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تعالى تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها» وفي رواية: «حرمه 
الله على النار» قال قتادة: هذا نعت أولياء الله تعالى نعتهم الله تعالى بأن تقشعر جلودهم وتطمئن قلوبهم بذكر الله ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم وإنما ذلك في أهل البدع وهو من الشيطان.
وعن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله تعالى تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم، قال: قلت لها: إن ناساً اليوم إذا قرئ عليهم القرآن خر أحدهم مغشياً عليه، قالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وروي أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مر برجل من أهل العراق ساقط فقال: ما بال هذا؟ فقالوا: إنه إذا قرئ عليه القرآن أو سمع ذكر الله تعالى سقط فقال: إنا لنخشى الله تعالى وما نسقط. وقال ابن عمر: إن الشيطان يدخل في جوف أحدهم، ما كان هذا صنيع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عند ابن سيرين الذين يصرعون إذا قرئ عليهم القرآن، فقال: بيننا وبينهم أن يقعد أحدهم على ظهر بيت باسطاً رجليه ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره فإن رمى بنفسه فهو صادق.
فإن قيل: لم ذكرت الجلود وحدها أولاً في جانب الخوف ثم قرنت بها القلوب ثانياً في الرجاء؟ أجيب: بأن الخشية التي محلـها القلوب إذا ذكرت فقد ذكرت القلوب فكأنه قيل: تقشعر جلودهم من آيات الوعيد وتخشى قلوبهم في أول وهلة وإذا ذكر اللـه تعالى ومبنى أمره على الرأفة والرحمة استبدلوا بالخشية رجاء في قلوبهم وبالقشعريرة ليناً في جلودهم.
فإن قيل: ما وجه تعدية تلين بإلى؟ أجيب: بأنه ضمن معنى فعل متعد بإلى كأنه قيل: سكنت أو اطمأنت إلى ذكر اللـه تعالى.
فإن قيل: كيف قال اللـه تعالى: {إلى ذكر اللـه} ولم يقل إلى رحمة اللـه؟ أجيب: بأن من أحب اللـه تعالى لأجل رحمته فهو ما أحب اللـه تعالى وإنما أحب شيئاً غيره وأما من أحب اللـه تعالى لا لشيء سواه فهو المحب الحق وهي الدرجة العالية كما قال تعالى: {ألا بذكر اللـه تطمئن القلوب}
الكتاب : تفسیر سراج المنیر شربینی             المؤلف : محمد بن أحمد الشربيني