تفسیر البحر المحیط:
والظاهر حمل القشعريرة على الحقيقة، إذ هو موجود عند الخشية، محسوس يدركه الإنسان من نفسه، وهو حاصل من التأثر القلبي. وقيل: هو تمثيل تصوير لإفراط خشيتهم، والمعنى: أنه حين يسمعونه يتلي ما فيه من آيات الوعيد، عرتهم خشية تنقبض منها جلودهم.
ثم إذا ذكروا لله ورحمته لانت جلودهم، أي زال عنها ذلك التقبض الناشىء عن خشية القلوب بزوال الخشية عنها، وضمن تلين معنى تطمئن جلودهم لينة غير منقبضة، وقلوبهم راجية غير خاشية، ولذلك عداه بإلى. وكان في ذكر القلوب في هذه الجملة دليل على تأثرها عند السماع، فاكتفى بقشعريرة الجلود عن ذكر خشية القلوب لقيام المسبب مقام السبب. فلما ذكر اللين ذكرهما، وفي ذكر اللين دليل على المحذوف الذي هو رحمة الله، كما كان في قوله: { إذا ذكر الله وجلت قلوبهم }
دليل بقوله: { وجلت } عن ذكر المحذوف، أي إذا ذكر وعيد الله وبطشه. وقال العباس بن عبد المطلب: قال النبي عليه السلام: « من اقشعر جلده من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها » وقال ابن عمر: وقد رأى ساقطاً من سماع القرآن فقال: إنا لنخشى الله، وما نسقط هؤلاء يدخل الشيطان في جوف أحدهم. وقالت أسماء بنت أبي بكر: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم عند سماع القرآن، قيل لها: إن قوماً اليوم إذا اسمعوا القرآن خر أحدهم مغشياً عليه، فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وقال ابن سيرين: بيننا وبين هؤلاء الذين بصرعون عند قراءة القرآن أن يجعل أحدهم على حائط باسطاً رجليه، ثم يقرأ عليه القرآن كله، فإن رمى بنفسه فهو صادق. والإشارة بذلك إلى الكتاب، أو إلى ذينك الوصفين من الاقشعرار واللين، أي أثر هدى الله.
الكتاب : تفسير البحر المحيط
المؤلف : أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان (654 - 745هـ، 1256 - 1344م).